ورقة العمل المشتركة المقدمة من حركة رقابيون ضد الفساد ونادى المحاسبات بالندوة التى عقدت بمجلس الشعب اليوم بين لجنتى الخطة والموازنة واللجنة الاقتصادية
بسم الله الرحمن الرحيم ( قالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) صدق الله العظيم
عجز الموازنة العامة وطرق الحد منه الموازنة العامة للدولة هى البرنامج المالى للخطة عن سنة مالية مقبلة ، لتحقيق اهداف اقتصادية واجتماعية محددة ، وذلك فى اطار الخطة العامة للدولة .
فالموازنة العامة للدولة عبارة عن خطة مالية يتم فيها تقدير جميع الاستخدامات والموارد المتوقعة لأوجه نشاط الدولة عن سنة مالية قادمة ، وتصدر بقانون من مجلس الشعب .
والعجز المقدر فى الموازنة العامة : هـو مقدار الفرق المقدر بين الموارد المقـدرة والاستخدامات المقدرة للدولة خلال سنة قادمة . وعجز الموازنة العامة للدولة ليس دائما كما يعتقد البعض ، خطر يجب القضاء عليه ، فللعجز انواع هى : أولا : عجز مخطط : ( عجز حميد ) وهذا العجز يكون غالبا فى الدول الآخذة فى النمو والتى تتبنى خطط طموحة ، بانشاء مشروعات عملاقة مثل ، مشروعات البنية الأساسية الضرورية لاحداث تنمية ، كالطرق السريعة والمدن الصناعية الكبرى ، وشق الترع وبناء الجسور وانشاء الشركات والمشروعات العملاقة ، فمثل هذه المشروعات يعود النفع منها على الدولة لعشرات السنين وان كانت سنة او اكثر قد تحملت بالعجز الناتج عن انشاء تلك المشروعات . ثانيا :عجز طارىء : (عجز عرضى ) هو عجز ناتج عن ظروف طارئة تمر بها الدولة ، كأن تمر الدولة بكارثة طبيعية كالزلازل او البراكين او الفيضانات او قلاقل او اضطرابات داخلية او حروب ، او غير ذلك . ثانيا :عجز مزمن : ( عجز مرضى ) هو عجز مستمر وغالبا يزداد عاما بعد عام ، نتيجة زيادة مصروفات الدولة عن ايراداتها . وهذا اخطر انواع العجز وغالبا تتجه الدولة الى الاقتراض من الداخل والخارج لتغطي هذا العجز ، مما يؤدى الى زيادة اعباء الديون وبالتالى ارتفاع العجز عاما بعد عام ، او تتجه الحكومة الى بيع الاصول المملوكة للدولة. وللاسف فإن العجز الموجود بالموازنة العامة لمصر( الايرادات – الاستخدامات ) ، عجز مرضى حيث تطور على النحو التالى : العجز عام 2000/2001 مبلغ 34.1 مليار جنيه عام 2004/2005 مبلغ 61.1 مليار جنيه . عام 2009/2010 مبلغ 124.1 مليار جنيه . عام 2010/ 2011 مبلغ 140 مليار جنيه . ولقد ادى ذلك الى تضخم الديون الداخلية والخارجية للدولة ، وبالتالى زادت اعباء خدمة الدين عاما بعد آخر على النحو التالى : المديونية فى 30/6/2009 مبلغ 705 مليار جنيه . فى 30/6/2010 مبلغ 811 مليار جنيه . فى 30/6/2011 مبلغ 1050 مليار جنيه . ولما كان العجز ناتج اما عن الزيادة فى المصروفات بالاسراف فيها او بالاستيلاء على الأموال العامة او اهدارها ، او بانخفاض الايرادات ، وذلك بتسرب جانب منها من الموازنة العامة للدولة الى صناديق او حسابات خاصة او بعدم تحصيل جانب من الأمـــوال العامـــــــــــة المستحقــــــة للدولـــــــــة ، او بتدنى المـوارد المستحقة للدولـــــــة مقارنــــــة بالتكاليف والأعباء التى تتحملها الدولــــــة فى سبيل انجــــــاز العديد من الخدمات التى تؤديها( التى لا تتعلق بالدعم ) نتيجة قصور التشريعات التى تقرر رسوم الخدمات وعجزها عن مواكبـــــة التطور فى الأسعار والتضخم فى التكاليف ، او بقـــــاء جانب كـــــــــبير من الديون المستحقة للحكومة دون تحصيل ( اكثر من 110مليار جنيه ).
ولما كانت مراحل الموازنة تتم بالخطة ثم باقرارها ثم بتنفيذها والرقابة عليها وصولا للحساب الختامى للدولة . لذلك نرى ان الحد من عجز الموازنة العامة للدولة يتم عبر طرق وخطوات متنوعة هى :
أولا : وضع الرجل المناسب فى المكان المناسب : لابـــــد مــــــــــــــن استبدال سياسة اختيار القيـــــادات التى اتبعها النظام السابق " اختيار اهل الثقة " بسياسة " اختيار اهل الخبرة المؤتمنين " ، ولنا فى تجربة الخليفة الخامس عمر بن عبدالعزيز خير مثل ، اذ تولى قيادة الدولة الاسلامية المترامية الأطراف وحالها لايسر ، فماذا فعل ؟ بدأ بنفسه وبأهل بيته ثم بأقاربه وأمرائه ، واعطى القدوة والمثل ، فاقتدت به الامة ، فجاء اليوم الذى لم يجدوا فيه فقير يعطوه الزكاة ، بعد ان كان الناس لايجدون قوت يومهم ، كل ذلك فى اقل من عامين ونصف !!! كما يتعين وضع اسس واضحة لتقييم القيادات وان تكون معروفة مسبقا لهم ، ومنها مدى تحقيقه اهداف الجهة التى يترأسها ، فى ضوء معايير الاقتصاد والكفاية والفاعلية ، وان يكون ذلك بمعايير موضوعية .
ثانيا : تفعيل أجهزة الرقابة ، وعلى رأسها " جهاز الرقابة الأعلى " الجهاز المركزى للمحاسبات " : ان للجهاز المركزى للمحاسبات دور كبير فى الحد من عجز الموازنة العامة للدولة وحماية الاموال العامة ، ولن يتأتى ذلك الا بمنحه الصلاحيات والاختصاصات والادوات التى تمكنه من تحقيق هذا الهدف ، ولقد راعينا ذلك فى مشروع القانون الذى تم اعداده بمعرفة اللجنة المشكلة من نادى المحاسبات المصرى وحركة " رقابيون ضد الفساد " وشارك فيها زملاء من كل ادارات الجهاز ،واهم النقاط الواردة به هى توسيع اختصاصات وصلاحيات الجهاز لتشمل : - الرقابة على مشاريع الخطة والموازنة وتقديم تقارير عنها لمجلسكم الموقر ، من واقع خبرة السادة اعضاء الجهاز ومن واقع رقابة الجهاز على الخطط والموازنات السابقة . - منح الجهاز اختصاص جديد بالرقابة على الاجراءات المتخذة فى شأن جرائم العدوان على المال العام من وقت العلم بارتكاب الجريمة وحتى رد المبالغ التى تم الاستيلاء عليها او اهدارها للدولة . - منح الجهاز حق تعقب المال العام فى الشركات التابعة وغيرها مما تنشئه الاشخاص العامة وما يخصها من صناديق وحسابات خاصة . - منح الجهاز حق الرقابة على القوانين واللوائح والقرارت والتعليمات المالية والادارية فى ضوء التطبيق العملى لها ، وتحديد ما بها من اوجه نقص وقصور ومنحه حق اقتراح القوانين وطلب تعديل اللوائح والقرارات والتعليمات المخالفة ، ووقف العمل بها ، ان اقتضى الامر ذلك . - منح الجهاز حق احالة المخالفات مباشرة الى جهات التحقيق المختلفة ، وتغليظ العقوبات على عدم الرد على الجهاز او عدم اتخاذ الاجراءات المناسبة بشان المخالفات التى اوردها الجهاز فى تقاريره . - النص على عقوبات رادعة لمن يعطل او يعرقل رقابة الجهاز على جهة من الجهات الخاضعة لرقابته بشكل كلى او جزئى و ايا كان من تسبب فى ذلك . - منح اعضاء الجهاز الصلاحيات التى تمكنهم من آداء اعمالهم الرقابية بفاعلية ، ومنحهم دخلا كافيا يوفر لهم الاستقلال اللازم الذى يمكنهم من العمل بذهن صف وبمنأى عن اية ضغوط مادية او أدبية . وفى هذا الصدد ينبغى النظر الى الجهاز والى رقابته المانعة والتى تمنع العديد من المخالفات وجرائم العدوان على الاموال العامة ودوره فى كشف الجرائم التى ترتكب عليها وفى استردادها ، ولا يغيب عنا ان العائد على الاموال العامة من رقابة الجهاز اضعاف اضعاف ما ينفق فى سبيل قيامه برقابته ، فقلد انتهى مكتب المساءلة الامريكى فى دراسة له عام 2008 الى ان الدولار الذى ينفق على رقابتـــــه يعــــود على الدولة ب 114 دولار ( هذا العائد المنظور فقط ، بخلاف العائد من الرقابة المانعة ) .
ثالثا : اعادة النظر فى التشريعات المالية والادارية المعيبة : هذا مجال خصب من الممكن ان يساهم الجهاز المركزى للمحاسبات فيه بفاعلية ، لما لأعضائه من خبرات واسعة ودراسات مستفيضة فى هذا المجال ، ومن ذلك على سبيل المثال :
• تقليص صلاحيات وزير المالية فيما يسمى بالاعتماد الاجمالى والذى يؤدى الى خروج هذا الاعتماد من الرقابة المسبقة لمجلس الشعب فى تحديد الخطة ومشروعاتها واوجه الصرف .
• علاج مشكلة الصناديق والحسابات الخاصة والوحدات ذات الطابع الخاص التى تستنزف المليارات من موارد الدولة سنويا ويصرف جانب كبير منها كحوافز و مكافآت .
رابعا : التحول من المركزية الخانقة الى اللامركزية المرنة : ان المركزية الشديدة كان – ولازال - لها دور كبير فى زيادة عجز الموازنة ، اذ كان على وزارة المالية تدبير الاعتمادات المالية لكل الجهات وتغطية ما بها من عجز ، الامر الذى سبب تواكل قيادات تلك الجهات وعدم العناية بتحصيل مواردها وتخفيض نفقاتها . كما لم تمنح هذه المركزية قيادات تلك الجهات المرونة فى فرض وتحصيل الرسوم ومقابل الخدمات التى يؤدونها فى ضوء المتغيرات المحلية والخاصة بكل جهة . ومن ذلك مثلا :
-رسوم التفتيش التى تحصلها الوحدات المحلية على المحلات كما هى منذ 56 سنة 500 مليم عن عام كامل .
- رسوم اشغال الطرق كما هى منذ 56 سنة ، فهل يعقل ان يكون رسم شغل الشارع بكشك لمدة عام 180 قرش ، ( ولعل ذلك يوضح الفوضى التى نعيشها فى شوارعنا التى لم يعد بها موطىء قدم للمارة بالأرصفة ويعج نهر الشارع باشغلات من كل نوع ) .
- هل يعقل ان تكون رسوم الاعانات المضيئة بالمليم ، بينما تحصل شركات الدعاية على مئات الألوف من الجنيهات عنها . ولقد طالبت بتغيير قانونى الاعلانات والاشغالات من عام 1997 لكن دون جدوى .
خامسا : تحفيز القائمين على التحصيل والانفاق فى حالات ترشيد الانفاق او زيادة التحصيل : للاسف قانون الموازنة العامة للدولة يحث الجهات على ترشيد الانفاق فى الانارة والغاز والمياة و... وتحفيز القائمين على ذلك ، لكن هذا لا يحدث لضعف المبالغ المخصصة لذلك بالموازنة ، ولقيام أغلب المسئولين بتلك الجهات بتخصيص هذه الاعتمادات لمن يرضون عنهم ودون اية ضوابط تذكر! فمثلا مصر تنفق سنويا حوالى 4 مليار جنيه على انارة الشوارع والطرق ، ولم يكلف احد نفسه بالبحث فى ترشيد هذا الانفاق ، وكان لى تجربة فى هذا الشان فى محافظة الغربية اذ تبين من الفحص ان هناك حوالى 35% من المبالغ التى تنفق على استهلاك الانارة العامة ( حوالى 40 مليون جنيه سنويا ) وهمية ولا اساس لها وتم تخفيضها بالمحافظة بتطبيق مجموعة اسس واجراءات ، واعتقد انه سيتم تخفيض استهلاك الانارة العامة على مستوى مصر بما لا يقل عن مليار جنيه ان طبقت تلك الأسس والاجراءات . تحفيز القائمين على تحصيل الديون المستحقة للدولة ( حوالى 110مليار جنيه ) .
سادسا : اعادة النظر فى الدعم وطرق تقديره واساليب منحه : الدعم يستنزف 25% من الاستخدامات واعلاه دعم المواد البترولية والتى تصل الى حوالى 70% من الدعم . وينبغى العمل على توفير المواد البترولية محليا وعدم الاعتماد على استيرادها فى الوقت الذى نصدر فيه البترول الخام ، وهو مايخلق فرص عمل ويوفر عملات اجنبية ( والاستثمار فى هذا المجال يسبب عجز مؤقت مخطط حميد ، لكنه يحد من العجز على المدى الطويل ) . وينبغى اعادة النظر فى طرق تقديره واساليب منحه و تشديد الرقابة عليه وتغليظ العقوبات على المتلاعبين به .
سابعا : ينبغى الضرب بيد من حديد على يد الفاسدين ولصوص المال العام اللذي باعوا ويبيعوا ، ثروات الدولة من بترول وغاز واراضى بطرق مشبوهة وبمبالغ زهيدة ، لردعهم هم وغيرهم .
هذا مختصر لما نراه سبل للحد من عجز الموازنة العامة للدولة
والله ولى التوفيق
تحريرا فى : 28/2/2012
=====================================================================
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق